أبواب, نوافذ, و ألوان تذكر الناظر إلى لوحات العزي بالمدن العتيقة. و الصناعات اليدوية التقليدية. لتبقى المرأة هي التيمة الحاضرة بقوة. نساء الفنانة علياء العزي يتملكن المدينة لتأكيد مكانتهن فى نقل الثقافة, و الموروث الشعبي. معرض "مدن حواء" يلقى الضوء على أعمال فنانة مغربية الأصول, و عراقية المنشئ. متأثرة بالمدرسة الفنية العراقية, و بإقامتها بالإمارات العربية المتحدة .
حدثينا عن مسيرتك، النشأة في العراق، ثم الإقامة في دبي ؟
ولدت في بغداد ،عاصمة السلام ،ونشأت وترعرعت فيها، وأكملت تعليمي في المرحلة الأساسية، وحصلت على شهادة البكالوريا تخصص علمي وبمعدل يؤهلني لدراسة الهندسة. اخترت الدراسة في كلية الفنون الجميلة، جامعة بغداد، لولعي بالفنون الجميلة والموسيقى والمسرح وتحديدا فن الرسم. تفوقت في اجتياز مباراة الفنون الجميلة، وأتممت دراستي في قسم الفنون التشكيلة فرع الرسم في نفس الجامعة، ولطبيعة عمل والدي كنت كثيرة السفر، وزرت دول عربية كثيرة وأقمت بأخرى، ولهاجس الحنين الدائم لموطني اخترت العودة إلى وطني المغرب لإكمال دراستي في مجال الفنون، واخترت المعهد الوطني للفنون الجميلة في تطوان لصيته المعروف في المغرب وإفريقيا، وبعد إتمام دراستي الأكاديمية، ولاستقرار عائلتي في دولة الإمارات العربية المتحدة، انتقلت إلى دبي بعد حصولي على شهادة الدكتوراه في مجال الإعلام والعلوم السياسية .
المرأة هي مشهد كلي للوجود في إبداعاتك، لماذا هذا الاختيار؟
المرأة بالنسبة لي أفضل ناقل للتراث عبر التاريخ، فلكل نظام اجتماعي دور مجتمعي يسعى الى تحقيقه، وبالتنشئة الاجتماعية توزع الأدوار، فالمرأة عبر الحضارات القديمة في المجتمعات العربية،وفي هذا التنظيم، تحظى بمكانة خاصة في المجتمع، فهي من تقوم بالواجبات المنزلية ،والأعمال الأخرى، بالإضافة إلى الصناعات اليدوية التي وجدت في الحضارات القديمة من صناعة الأواني الفخارية ، وحياكة الملابس، ونسج السجاد، وتجفيف الطعام، ونحت المجوهرات. أما في العصر الحديث فهي من حافظت على نقلها الشفوي للموروث الشعبي، وحافظت على الطقوس التقليدية في الأعياد والمناسبات، وعلى الزي التقليدي، ونقلته للأجيال القادمة، فتيمة المرأة هي من فرضت تفاصيلها في أعمالي الفنية وبعمق، وتيمتها في تنفيذ اللوحة الفنية يشعرني بالمتعة لقربها مني بالتأكيد، وللمرآة رمزية دالة على الحياة والنماء، وبالخصوص المرأة المغربية، وما تتميز به من صفات، وتنشأة تكاد تجعلها متفردة في العالم، وهذا شيء وجدته في والدتي، وجدتي، والنساء المقربات مني، وبالرغم من تغربهن خارج أوطانهن فهن يحملن معهن أوطانهن في كل مكان، ومدنهن يعشن فيها في كل مكان يرتحلن إليه، فالمرأة هي من توثق، وتنقل كل تفاصيل محيطها في أدق تفاصيلها حتى في نكهات طبخها، فالمدن هي للنساء وملكهن الأبدي، وبالتأكيد إني لا استثني أو الغي دور الرجل الأساسي والتكاملي في الحياة.
الهندسة المعمارية التقليدية، والأبواب، والأنماط التي تذكر بالحرف اليدوية المغربية موجودة أيضا، لماذا؟
لعشقي للمدن العتيقة، والهندسة المعمارية، والصناعات اليدوية التقليدية ذات الخصوصية المغربية والأندلسية، من صناعة الفخار، والأواني النحاسية، وصناعة السجاد و المطرزات للألبسة، هي قصص عالقة في ذاكرتي، وتحضر دوما في أعمالي. أجد فيها جمالية مثيرة ورمزية عميقة، وهي ما يميز العمارة المغربية خصوصا ،والعربية عموما، وتترسخ في ذاكرتنا البصرية والشفوية والمكتوبة. سمعت كثيرا من الروايات ،والمشاعر تروى ،والأبواب والشبابيك رموزها.
والأبواب هي أخر لبنة من لبنات البناء، والشبابيك أيضا إلا أنهما ذ واتى وظيفتين متضادتين، فالباب يحمي جميع أجزاء المنزل من المتطفلين، ويعزل من في داخل المنزل عن المحيط الخارجي، ويثير فضول المارين. أما النافذة هي من تفتح أجزاء المنزل بإطلالته على الخارج، وهي تحرس، وتنقل قصص كثيرة منها الفراق، والحب ،والتأمل ،والرجاء. الأبواب والنوافذ في لوحتي تحكي قصص. تأخذ المتلقي لأعمالي في رحلة إلى ما وراء تلك الأبواب. تكون من نسج ذاته مرة ومن اللون والشكل المرسوم في لوحاتي مرة أخرى.
والكثير من الصروح ،والقصور، والبنايات الحديثة، والمساجد اليوم تنهل من هذا الفن الأصيل الذي يتقن بأيدي حرفيين مغاربة، وهذا قل وجوده في العالم، وتوثق كتب التاريخ والفنون هذه الحرف التي يشتهر بها المغرب، وهذا موروث غني بحد ذاته، وحضارة عريقة، نعتز بها نحن، وكثير من الشعوب ،والتي تنال إعجابهم وتكون لهم إلهاما فنيا كبيرا، وبذلك أحاول توثيق ولو جزئية بسيطة من الكم الهائل من إبداعاتهم بلوحاتي الفنية. أغلب مقتنييها هم أجانب، فمن خلال المزج ما بين اللون والشكل في اللوحة التي أحاول أن تكون لها جمالية ،وإيحاءات خاصة، ليحط هذا العمل رحاله في مكان ما من العالم.
تتميز بعض اللوحات بالتجريد الناعم. هل هي بداية التغيير في أسلوبك؟
مشواري الفني ليس بالطويل، لكن فرضت عليه التحولات مراحل مختلفة، ومن خلال التجارب والخبرة التي اكتسبتها من المدارس الفنية والمختلفة ،والدول التي عرضت فيها، أضحيت أقدم أعمالا تحاول ان تحاكي العالمية، فبدأت تميل أعمالي للمزج ما بين مجموعة من المدارس الفنية التي أحيانا تعبر عن حالة فنية معينة أعيشها، وأحيانا بشكل غير مقصود يأتي التعبير بلوحتي الفنية بإتباع أساليب ومدارس فنية مختلفة، ولا أجد في ذلك انتقاصا من قيمة العمل، بل بالعكس، فالفراغات، والفضاءات الواسعة، هي فسحة للتأمل والبحث عن الذات ،والى أي مكان هي تنتمي، هناك شغف البحث دائما. وهذا الفضاء الذي يحتضن موضع العمل الفني يعطي مساحة من الحلم والتأمل في اللون والعناصر الأخرى، هذا الفراغ الذي يتركني أبحث عن حجم الأشكال وترابطها معا دون انعكاس قواعد الأبعاد، وهذا ما أحبه في الفن الحديث.
هل تأثرت إبداعاتك بالفن العراقي؟
بالتأكيد، فالمدرسة الفنية العراقية غنية جدا بأسماء ورواد فنانين عالمين، وهي مدرسة تمتاز بالقدم ،والعراقة ،وتنهل جميع فنونها من الحضارات العراقية القديمة، فهي مهد الحضارات،وان فنانيها أسهموا في تأسيس الفن التشكيلي العربي أيضا، وان تكويني الجامعي الأكاديمي، الذي حصلت عليه في كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد، أضاف لي الكثير، وله الفضل في تأسيس، وتهذيب موهبتي الفنية، فاني تتلمذت على أيدي مجموعة من الفنانين العراقيين، والمدرسة الفنية العراقية تأكد على أهمية الاحتفاظ بالخصوصية والمحلية في العمل الفني لكل فنان، من اجل التفرد والوصول إلى العالمية، واكتمال مكونات العمل الفني باحترافية ،وان العلاقات الفنية التشكيلية متبادلة ما بين المدارس الفنية المغربية والعراقية، وهناك قواسم مشتركة، وان كثير من الفنانين الرواد المغاربة كان لهم تجربة العروض الفنية في المهرجانات الفنية في العراق والعكس، وتذكر الحركة التشكيلية المغربية في كثير من الدراسات والمجلات الفنية المتخصصة، فهم تواقون لاكتشاف الفن المغربي المعاصر لقربه من أوروبا ،وتميزه بالحداثة، ولهذه العلاقة الحميمية ،وتأثري أيضا البيئي، فأول هواء استنشقت كان من نسائم بغداد ، وأول رشفة ماء شربتها كانت من نهر دجلة، فانا مغربية القلب وعراقية الروح، وهذا التأثير ربما يبدوا أحيانا في بعض أعمالي الفنية.
كيف تعيشين كفنانة من أصل مغربي في دبي؟
دبي مدينة تتميز بالعالمية والحداثة، وكل من يزورها أو يقيم على أرضها ينصهر في هذا التنوع والجذب العالمي القوي، نجد كل الترحيب والاهتمام من جميع المؤسسات وكثيرا ما أستضاف في أوراش فنية وأشرف عليها، وأساهم في تنظيم معارض فنية، وأشارك في عروض فنية تشكيلية تلبية لمجموعة من الدعوات، وهناك اهتمام كبير جدا بالفنون وبالخصوص الفنون التشكيلية، و المقتنون مغرمون بالثقافة المغربية، والإرث الفني المغربي، وبالخصوص الحديث منه، إن كانوا من الإماراتيين أنفسهم أو من المقيمين على ارض الإمارات، وكثيرا ما نجد فنون الزخرفة، والرسم، والنقوش المغربية في الهندسة المعمارية، وبالخصوص في المساجد، وقصور الضيافة، والتي يعود تنفيذها إلى مهندسين وحرفيين مغاربة، وهذا شيء نعتز ونفخر به، لأن دبي أصبحت وجهة عالمية للسياحة ،والتبضع ،والفنون كذلك. ولا يمكن أن لا نذكر الحدث العالمي الأخير وهو افتتاح متحف اللوفر في أبو ظبي، والذي أنعش الحركة والأنشطة الفنية فأصبحت وجهة ثقافية وفنية عربية وعالمية مهمة .
ماذا يمثل هذا المعرض برواق ضفاف بالنسبة لك؟
إن معرضي الشخصي "مدن حواء" في قاعة ضفاف هو استعادة تقديم أعمالي الفنية في موطني من جديد، وأعتبر هذا المعرض احتضانا لي كفنانة مغربية. كثيرا ما تحمل أعمالها للعرض خارج ارض الوطن، واليوم احملها للعرض في قلب الوطن، وبمدينتي الرباط، وأتشرف بهذه العناية من قبل مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج ،واشكرها على مبادرتها من اجل فتح فرص التواصل الفني ما بين الفنانين المغاربة ،والتعريف بالقيمة الفنية ذات الخصوصية المغربية، والتي يحملها كل فنان معه أينما حل، وان هذا لدعم معنوي، وتشجيع من اجل الاستمرار في العطاء الفني، و الإشعاع الثقافي ،وبالتأكيد فهي تجربة فنية مهمة في مساري الفني،واعتز بهذا التقدير الذي أوليتموه للرفع من مستوى الثقافة البصرية للمتلقي أيضا، بما يعرض من تجارب فنية مختلفة.
حوار فتيحة املوك